الثلاثاء، سبتمبر 15، 2009

نحبُّ الحَيـاة .

[ نص ٌ قلق ، حِبرٌ أزرق مُسال ، بقايا أطعمةٍ سيئة ، أنفاسٌ منقطعة ، قطراتٌ عرق ، رائحةٌ تِبغ ، لوحةٌ قماشية مُهشمة الزوايا و القلب .
موسيقى متوالية ، أوتار مبهورة بالذات الكامنة فيها .
أنتفض غاضباً ، يودُ لو يُدمر بطاقة مجنونة ، شمول الحكايات التي تتزاحمُ في رأسه و تؤرقه ساعات طويلةٍ من الحياة !
ماذا نفعلُ إذ اجتمعت علينا أحزاننا شتى في غياهبٍ الهمَّ الأجوف ؟
هل نكون أكثر تعاسة ً إذا كُنا أدباء أو مدهشين ؟!
هل يوازي هذا تماماً قدرتنا على التعبير عن مصائبنا ؟!
أم أنها تكون أكثر بروزاً و أكثر بلاغةً لأننا نطلقها ببراعةِ !
أدواتنا و كلماتنا التي تعلمناها هُنا و هناك .
- لازلت تحدث نفسك كالمجانين .
ينظر إليها بتثاقل ، يغرقُ في عينيّ طفلتها ، و يجيب كمن يستنقذ بتثاؤب ! :
- متى كنت عاقلاً يا أخيتي ؟!
تشيحُ عن ببصرها و تلفتُ الطفلة من يديها ، تتقدم بحزن هادئ تخمد أنفاس الموسيقى ، تفتح إغلاق النوافذ ، تلملم أعقاب السجائر ، تحشد الأوراق في زاوية و الأقلام بقربها و تحشدُ الفرش و بقايا اللوحات بأخرى !


تصل إلى طاولته الخشبية النتنة ، تقطبُ حاجبيها و ترفع رأسها إليه نتأملُ انحناء رقبته و استقامة ظهره تقتربُ .. تجالسه على حفة السرير المتداعي .. و تصمت يتناهى إليها صوتٌ غناء الطفلة ..
و تدهشها الذكريات !
- تذكرين ؟
- ماذا ؟
يكشف عن ساقه اليسرى ، عن آثار نُدبه عميقة جداً
يبتسمُ بمرارة و يضحك بسخرية .
- كم كان أبي يحبُ الغناء كثيراً !
تنطفئ عينيها ، و ترنو إلى الأرض بيأس
- عزيزي يحبُّ أن تتطلع إلى مستقبلك .
يتقدم بإتجاه الضوء
- المستقبل صورة محضة لأحزان الماضي .
- لكن الحاضر يصنع المستقبل .
- لكن حاضرنا يصنع مستقبلنا .
- الحاضر مستقبل الماضي أبيضاً .
- لا تتحدث هكذا !
يغلق أنفاسهُ ويعود فيجلسُ قربها ..
- أدركك تماما ! ... تكابدين الصعاب لأجلي ، و أدركت أن مسكني البعيد يؤرقك كثيراً ، ولكني لستُ أجد لنفسي حالاً أفضل من هذا .
تشدُ على يديه ..
- لست أبالي بالصعاب التي أعانيها لزيارتك ، و لكني لا أحبُّ أن أجدك راضياً بما أنت عليه ! أو لست أتذكر ؟ كم كنت تحدثنا عن الجمال ، عن الفكر ، عن العمل .
تبلع أنفاسها بأمل وتواصل :- أتذكر ؟ كم كنت تحدثني عن الأمومة ذاك الإحساس الراقي الذي افتقدناه جميعاً ، كم كنت متوقدا بالحياة ، كم كنت عنيداً ومتمرداً ، أنا لم أر أحداً من أخوتكِ يبتسم من بعد أن تناله شتائم أبي .. سواك ! ، بالرغم من ذاك كنت تنطوي على حس مرهف خلق منك شاعراً و تشكيليا ، لقد خُلقت منك دهشة لا يزال الناس يؤمنون بها .
يضغط على راحتيها و يسحب أنامله ببطء
- لكنني كافر !
- لماذا ؟
- تشق عليّ الثرثرة .
- لستُ أفهمك .
- هُنا الألم
.- بالرغمٍ من أني – منذ أن مات أبي – أعتقد بأن غموضك من أكثر الأشياء وضوحاً في هذه الدنيا .
- ...
نَبَتَ صوت الطفلة :
- ماما قطفت وردة !يرفع رأسه متجهماً فتأتي لتحتل أحضانه بجرأة و يزهر فمها بهدوء :- نحن نحبك ، أنت لماذا لا تحبنا ؟ ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق