الجمعة، أبريل 30، 2010

أكْثَرُ إلهامًا؟!






مدخل :


[هو ذاك الذي يَستفزُّ في الضحك المؤلم حين يقول: "لا أحد يحزن لقلق الأشياء مثلي"، فأنا أعتقدُ أن لا أحد يقلق لحزنِ الأشياء مثله]


كان صباحًا هائمًا جدًّا، أذكرُ أني خرجتُ وإياهُ، أحملهُ بين أشيائي الذهنية، أبعثرهُ بخفة في حقيبتي اللغوية الصغيرة ، هو ذلك الثقيلُ جدًّا، ينبسطُ ليستفز الأحاديثَ باقتضابه المعتاد، وحروفه العميقة ، متعبًا، غارقًا في جلباب الحُلم و قطع الذاكرة، في حين كنتُ أجدني أفتحُ من بؤرة تأملات قديمة شهية روح النخيلِ البعيدة، إذ إنني كنتُ قد قلتُ له : تعالَ نرى إلهامَ الشرفاتِ الأخرى!


انحناءة من رأسهِ تكفي، أمسكتُ أصابعهُ الـ تشبهُ الماء، فتحتُ شباكنا الكبير؛ الفصول تستيقظُ في أعماقي، ومشاغبة لا آلفها كثيرًا، كنتُ أود تأمُّلَ الشُّرفات في هذا الحي العجيب، الشرفاتُ المائلة المتقابلة، النصفُ مغلقة، النصفُ مفتوحة، الشرفاتُ العالية، الشرفاتُ الوضيعة، الشرفاتُ التي تلتهمُ الضوء، الشرفاتُ التي تغرقُ في كسل الظل، الشرفاتُ التي تنث حياة والشرفاتُ الّتي لا يراها أحد !


لكن لم أر غيرهُ وهو يبتسمُ، ودمعة واهمة في عينيه، كان يهذي وإياي على غير عادة، كان يقولُ في صفاء ذهني نادر:


- تعبتُ منهم، لازال ضجيجهم في أذني .


قلتُ له – بنظرة أحادية للغاية- :


- لازال الوقتُ صباحًا، تعال نَعُدْ إلى شُرفتنا الداخلية.


مشيتُ أتوهمُ أني دمعةٌ في عينيه، أسندُ منهُ شيئًا يتكئ عليهِ حُزنه.


هو الّذي قال يومًا في حالة مزاجية أظنها غائبة: إنّ بعض الواهمين أكثر قدرة عل الحياة!


أغلقتُ شيئًا من منافذِ الضوء خلفنا، لكن الهواء ظلّ معلقًا بها، يحملُ قبسًا من صفاء كدرها و قدرتِه الصعبة.


... قلتُ له - و أنا أشيرُ لأريكة جميلة - : سأجلسُ هُنا .


كنتُ أرتعش، كأن الماء في أصابعه يصافحني بود، أنا الـ كنتُ أغادرهُ بمهل الود ذاته !


جلستُ، ظلّ واقفًا، وبقيت أتأملهُ برهةً، لازالَ واقفًا، كأن كلّ مساقط الغيث البعيدة تتركزُ في عينيه، كأنّه بتفاصيله القروية الصغيرة و همومه الكامنة فيها، هيكلٌ منذور للنَّصِّ، للحزنِ، لا أكثر، إذا أنه على ذلك باقٍ بين أشيائه، بين كلّ أولئك الذين بحاجة ماسةٍ لاستنـزافِ طاقته الفائضة من الألم !


مقاطعًا تأملي، كأنه يخشى عليّ أن أموت حبًّا لقلقهِ الذي يغمرُ حُزنَ الأشياء فيحيلها إلى كتلةٍ من بياض و يبعثها بنقائها الأول فتبقى ، قال لي :


- سأعدُّ شيئًا .


- لي،كوب شاي، القليلُ من الحليب، الكثيرُ من السُّكر .


- وَقهوة مرّة .


- أيكفيكَ السًكرُ في كوبي ؟


- أراهُ قليلاً، كأنك على غير عادتك ؟


- لربما لأنني أريد / أحب أن أسربَ لك شيئًا منه !


- لا بأس بدأتُ أتعودها مرّة !


أردفَ وسط أنفاسي :


- كأن الجو صار مشمسًا؟


- لا، أنتَ بدأتَ بالتوهجِ على طريقتك !


بدأت أفكارنا تتقاطع، بدأنا ندخلُ أنفسنا في متاهاتِ الأشياءِ والفلسفة التي تكنها التفاصيل فينا؛ في الناس وَالحياة وَالعابرين!


لا أذكرُ كم حديث صامتٍ مرّ بيننا بعدها ، لكننا عدنا إلى أمسياتنا، عدتُ أنا غريبًا دونهُ، وَعاد غائبًا دوني، أو لنقل أنني عدتُ غائبًا مثلهُ، وَعاد غريبًا مثلي .






http://www.armeea.com/index.php?show=news&action=article&id=1792








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق