الاثنين، أغسطس 24، 2009

أسحبُ من صندوق الخشب ورقة من فئة العشر دولارات ، أرتعشُ بمهل ٍو أنا ألتحفُ بمعطفي المرقع الأسود و أخرج ، الطرق هنا تسحبك إلى ترف شتائي قاس ، إلى مقطوعاتٍ أدبية مبعثرة ، إلى وجوده غيبها الزمن
تحت ركام الغياب ، يستوقفني مقهى صغير في أقصى زاوية من الشارع ، أطلب من النادل شاشة الكترونية باردة لأتصل بالشبكة العنكبوتية ، يدلني على مقعد خال في الصالة الداخلية ، أمشي خلفه و أنا أترنح
يلتفتُ إليّ :
- سيدي ، ثلاثون دقيقة بخمس دولارات .
أجيبه باسماً :
- حسناً .
يسحب المقعد ينحي و يمضي .

و أبقى أنا و الشاشة لوحدي !
أفتح شبابيك بريدي و قد علاها غبارٌ موجعٌ للغاية ، رسائل كثيرة معلقة ، منها 3 من صديقي حسن و 2 من ابنه أختي و 7 من أخي الصغير ، و بالرغم من أني أتحاشى النظر ألا أن التواريخ تشدني إلى نفسها بقوة .

أفتح أخر رسالة من حسن و قد كانت قبل شهر من اليوم !
16 / 5 / 2009 م
أيها العزيز /
أن أخيك حسن قد عزم على الرحيل بعائلته الصغيرة إلى أستراليا ، لأن وطنكما قد ضاق عليه مؤخراً
أتمنى أن تكون بخير ، سأتصل بك حينما أجد فرصة مناسبة ، لا تقلق عليّ سأكون بحال جيد إن شاء الله .



أغلقُ رسالته دون تفكير و أفتح رسالة أخرى تلقيتها قبل أيام من صغيري علي .
10/ 6/ 2009 م
أخي الجميل ، أنا بخير، قد أتممت عامي الدراسي الأخير بنسبة 91 بالمئه ، أفكرُ أن أغترب معك في العام القادم لأدرس الهندسة ، فهل يزعجك حضوري ؟ ، الجامعاتُ هنا تؤلم خيالاتي ، أنا تعبت كثيراً ، لا شيء هنا يُشتهى ، عندما زرت تراب أمنا شعرت بالحنين إليك ، شعرتها توصينا بأن نكون معاً ، أنا أحتاج لرعايتكِ لأنك مجنون مثلي ، لقد كنت عبئا على أختكَ منذ سنتين منذ رحيلك ، تعلم تماماً بأن صحتها لا تساعدها للقيام بهموم كثيرة ، و لا أريد أن أثقلها بالبقاء أكثر ، أرجوك أجب على رسالتي ، طمئني عليك , بحق أمنا أفعل ذاك .. وكن بخير !

أغالب الوقت و الصفحات الثقيلة لأفتح عشوائيا رسالة من ابنة أختي .
5/ 3/ 2009
أيها البعيد ، أيها المسكون بهاجس الغياب ...
تُغلق الصفحة و أكاد أغالب البكاء ، و أنهض ، أجد النادل قربي :
- انتهت الثلاثون دقيقة . . !
دسست في يديه ورقتي النقدية ، أعاد إليّ نصفها ، رميت نفسي في الطرق مرة أخرى أشعر بشيء يحتدم في رأسي ، لشدما آذتني تلك الجملة المشوشة ، البعدُ و القربُ و الوطن و هاجس الغياب ، عزمت على أن أكتب للجمال ( هؤلاء ) قريباً .

قبل أن أعود إلى مسكني رأيت بائع فواكه بائس فقررت أن اشتري تفاحة حمراء و إن كانت بدولار و نصف ، إلى علاء ، ذاك الفتى الذي يشاركني فوضى غرفتي من سنة و أكثر .
أدخل بهدوء خوفاً من أن أزعجه ، لكنني أجده مستيقظاً و باسماً .
- أيها النشيط ! ، أين كنت في هذا الوقت الباكر من يوم عطلة !
- كنت اشتري لك تفاحة .
وقف بانفعال و قد سقط الكتاب من بين أحضانه :
- حقاً !
اعتنقنني بعمق ، وقال :
- التفاح وطن أشتاق إليه !
لم أفهم ترميزه تماماً ، لكنني أخرجت التفاحة و قدمتها إليه ، ألتقطها بحزن و قال :
- جائع أنا بصدق !
تركته و ذهبت إلى المطبخ دون رغبة لالتهام شيء سوى كوب شاي ثقيل جداً !
نعم و عدت به .
كان يقرأ و بقايا التفاحة ترقد على طاولته الخشبية الصغيرة .
لشدما أحب تأمل هذا الفتى و هو يلتهم الكتب ، أن له شهيّة مضاعفة تجاهها ، غمرت رأسي سخرية مرّة ، فنحن في هذه الديار نأكل القهر و الكتب أكثر من الطعام !
رفع رأسه بود ألتقط كشكوله و قرأ بصوتٍ رخيم :

( وجدتني كنص مُعلق ، لا جِدار يغريني فأهطل سواداً بأنامل طفل يحبُّ ثرثرة الأزقة بلغته .. بترجمة خطوط الفحم العريضة المتداخلة التي يبتكرها ، أكابر كثيراً ، أهربُ من بين أقدام الصيبة ، من رائحة التراب من الحدود الطينية الملتصقة مع الأرض ، كشفتيّ عذراء سمراء .. محمومة بالجمال ..
أحياناً أفكر .. لو بقيت قليلاً في غيهب الحُزن مع ذاتي لخرجت ألماساً مترعاً بالترف و لا مبالاة ..
لم يعد للكلام جدواه الذي يعزمون ..
أريد أن أخلد إلى داخلي و أصرخ فأداخل إلى داخلي كما دخلت إليه أول مرة ..
لكنني . . لا أرى لجثتي سريراً بارداً فيَجذبني لأنامُ بعمق .. و أفتح معبراً للذاكرة ..
اشتاقت لدكاكين الموسيقى القديمة التي تسكنني و تؤرقني ، لصوت الكمنجة الأعرج الذي يبصق أصواتا مختلة باعتدال متوال فتنشر قرفاً ثقيلاً ممتداً من أقصى الزاوية التي تحشره إلى أقصى السوق الذي يحشرها .. ، أذكر كيف كنت أبكي كلما سقط بائع بذخ بين يديّ قتيلاً بفعل نوته حمقاء ، تدعي حبها للعقل ، إنها تأخذ ذلك ذريعة لئن تريق موجاتها على وجهه وتغيبه تحت خطوط ملحيه عميقة تخدش ملامحه و تذوب في صراخه طويلاً حتى يختفي تحت أنقاضها ... )
صمت فجاءه و تنهد ، أفرغتُ الكوب في معدتي و هو يحترق دخانا .
قال علاء :
- سأذهبُ لأتسكع قليلاً .
حمل حقيبته ، و جهازه المحمول و قميص صوف أزرق و خرج .
تركت الكوب جانباً و تقلص جسدي باتجاه السرير ، لم يثنيني سواد الشاي عن كسل عميق
أمارسه في كل سبت بهذا الوقت تحديداً .

ـــــ .
أيقظني علاء في الثانية بعد الظهر متضجراًًً كعادتهِ في كل مرة يقوم بذلك .
تعودنا أن نعمل محاسبين لمدة 5 ساعات في مطعم متواضع يوم أجازتنا لنحصل على 20 دولارا
علاوة على عملنا في مطعم أخر بذات الشكل بقية أيام الأسبوع لمدة ساعتين يومياً ليحصل كلا منا على 60 دولارا نهاية الأسبوع ، فيعيش بها !
تعودنا أن نحاسب أنفسنا على نفقاتنا و ما نحتاجه من كتب للجامعة ، تعودنا أن نحاسب أنفسنا على طعامنا البسيط ، و مشتهياتنا الصغيرة
ــــــ .
اليوم أتعبني العمل ، رغبتُ في التحليق إلى الحياة و الهربِ من خلفِ طاولةِ المقهى إلى أين مكانٍ أخر ، شعرتُ بسيل عارم من الثرثرة و الأفكار المبعثرة تدخل إلى رأسي كدبيب نملي هادئ .
سألتُ علاء .
- لماذا خلقنا الله ؟
[ ... ]

هناك تعليقان (2):

  1. أرقٌ مُبعثر على شكلّ حُلم [ روائي ] ، لا أظنُّه يكتمل !

    ردحذف
  2. قطعاً لا أجد سوى تنفيذ نصيحتك بالاستلهام من رحيق نصوصك

    أعشق تفاصيلك بشكل كبير وأكاد أغرق لأصطدم بدهشة عند نهاية النص فأتحرق للمزيد

    لا تتركي القلم فهو انعكاس روحك الجميلة زينب

    دمتِ أخية ..

    خديجة

    ردحذف